الإنسان وجاذبية القمر تنويه نشرت هذه المقالة في الفصل الأول من كتاب الإنسان وخفايا البيئة لمؤلفه الدكتور مثنى العمر على مر القرون كان هناك الكثير من الأقاويل والقليل من القرائن والأدلة المادية على أن للقمر تأثير على سلوك الإنسان وطبائعه، لعل من أقدمها القول بأن القمر يؤثر على خصوبة المرأة ويبدو أن مدعوا هذه النظرية يعتمدون على ملاحظة أن دورة القمر حول الأرض تبلغ 28 يوماً وهي مساوية للدورة الشهرية للمرأة في معدلها العام، إلا أن ذلك ليس له ما يؤكده من دلائل علمية، وهناك من يستند الى حركة المد والجزر بتأثير القمر في مداره وكيف أن الكتل الهائلة من ماء البحر ترتفع الى الأعلى لمتر أو ما يزيد على ذلك، فيبرر تأثير جاذبية القمر على جسم الإنسان
ولعل أشهر الأعمال العلمية المتكاملة وأولها عن مثل هذه التأثيرات جاءت في كتاب صدر عام 1978، لمؤلفه أرنولد ليبر أستاذ علم النفس في جامعة ميامي بالولايات المتحدة ويمكن أن نترجم عنوانه الى العربية مجازاً: "التأثير القمري: المد البيولوجي وإنفعالات الإنسان"، أشار فيه مؤلفه إلى أن القمر يؤثر في حياة بعض البشر، وأنه يتحكم بالسلوك العدواني الذي يسبب إرتفاع نسب العنف أو حالات القتل، لكن دراساته وملاحظاته اعتمدت على سجلات مدينة ميامي فقط، وبعد فترة وجيزة قام باحثون من أحدى الجامعات الكندية باختبار نتائج مائة دراسة مختلفة ومن بينها دراسة أرنولد ليبر نفسها ولم يتمكنوا من ايجاد دليل على صحة ما قاله ليبر
فهل في الأمر شئ ما يزال خفياً أم أن ليبر كان منحازاً بحماس تجاه تأييد الظاهرة، أم أن مناؤيه كانوا منحازين نحو دحض الظاهرة، لا أحد يعلم بالطبع، ولكن ما يزال هناك بالتأكيد نقص كبير في المؤشرات العلمية الأساسية الواجب إتخاذها لكي لا تقودنا الصدفة فقط الى إستنتاجات ضعيفة قابلة للدحض السريع من التسجيلات العلمية الأخرى في هذا المجال، ما قام به د. أديسون ج أدروز إذ تفحص الف حالة من حالات إستئصال اللوزتين جراحياً فوجد أن نسبة82% من حالات النزف الذي يحدث بعد العملية الجراحية قد حدث عندما كان القمر بدراً أو اقترب من ذلك . كذلك عمل العديد من مختصوا الإحصاء في مستشفيات الولادة الى ملاحظة التواريخ المحتملة للإخصاب، أو جنس المواليد، لغرض الربط ما بينها وبين حالة القمر بين المحاق و البدر، وقد توصل البعض منهم الى ما اعتبره دليل مؤكد، في حين لا يجده آخرون كذلك وقد لا يعدو الأمر أكثر من كونه مصادفة فقط. بعد ذلك أشارت دراسات علمية توفرت مؤخراً على أن حالة المرضى المصابين بانفصام الشخصية تتدهور حين يكون القمر بدراً، وهناك دراسات أخرى أشارت الى أن نوبات الصرع قد تتزامن مع اكتمال القمر بدراً، كما أثبتت دراسات أخرى وجود علاقات إحصائية معنوية ما بين حالة القمر وبين النزف المعوي لدى بعض المرضى. ولكن العلماء ما يزالون محجمين عن البت النهائي في هذا الأمر باعتبار أن عدد هذه الدراسات قليل أو محدود مكانياً أو زمنياً لذا لا يمكن أن يعول عليه. كذلك أثبتت دراسات أخرى عدم وجود علاقة ما بين حالات الإنتحار وحالة القمر. من جانب آخر يرى الكثير من العلماء أن تأثير جاذبية القمر والشمس وغيرهما من باقي كواكب المجوعة الشمسية لا يكون إلا على الكتل الكبيرة الحجم مثل كتلة المياه في البحار، وبالمقابل لا تؤثر بدرجة محسوسة على الكتل الصغيرة مثل جسم الإنسان والحيوانات والموجودات الأخرى ذات الأوزان المشابهة، وبما يتماشى مع قانون الجاذبية لنيوتن إذن فأن تأثير جاذبية القمر كقوة هي حقيقة لا مجال لإنكارها بالطبع ولها تأثير على بعض مكونات الطبيعة على سطح الأرض، إلا أن أنماط تأثر الإنسان بها ما يزال غير معلوماً لحد يومنا الحاضر بل وغير مثبت بالدليل القاطع، وما سجل لحد الآن من ملاحظات قد يكون مؤشرات أولية تعد غير متكاملة، أو قد يكون مجرد مصادفات غريبة، وأن تأثيرات القمر وطرق قياسها تحتاج الى أنماط أخرى من المؤشرات، الدكتور مثنى العمر شبكة الدر للمعلومات رسالتنا تبسيط العلوم وترويج الثقافة