أصبحت نظرية الفوضى فيما بعد مجالاً هاماً في الدراسات الإستراتيجية وفي الشؤون السياسية بعد أن تبين دور العامل البشري كقوة محركة لإحداث التغيير، غالباً ما يكون في نظام الحكم لدولة ما، مع يقين الكثير من المحللين أن حالة الفوضى أو انعدام النظام لو حدثت فلا يمكن السيطرة عليها في أغلب الأحيان، ومع ذلك يبدو أن لها جاذبية خاصة أو مزايا معينة، وقد سمعنا بين الفينة والأخرى تردد هذا المصطلح في تحليلات سياسية تنسب إلى الإدارة الأمريكية، وحيث أن الفوضى أو انعدام النظام هو مصطلح استفزازي يستقطب قدراً كبيراً من الاعتراض، لذا فأن العادة جرت على إضافة كلمة الخلاقة لتحسين الصورة وبث روح الأمل في نفس من يقرأها بحيث يشعر وهو يقرأ المصطلح بأن الخير قادم لا محالة،ولكن السؤال الذي سنحاول الإجابة عليه هو: كيف يمكن أن تكون الفوضى خلاقة ؟ إذ منطقياً أن الفوضى هي مدمرة دائماً
ليس بالضرورة أن تكون الفوضى خلاقة للبلد الذي تبث فيه، لكنها خلاقة لمن بثها لتنفيذ مآربه. مع التأكيد على أن هناك حساسية نسبية تجاه مبدأ الفوضى، فمن النظم السياسية ما هو حساس أو جاهز للتحول نحو مرحلة الفوضى في حين هناك نظم أخرى تكون عصية عليها، وذلك محكوم بظروف ومعطيات كل بلد أو نظام حكم، ويتوفر عدد كبير من العوامل المساعدة في ذلك منها نسبة الأمية والبطالة والفقر والحرمان الإجتماعي ...الخ، وما أشكال القرارات التي شهدناها خلال السنوات الماضية من أشكال الحظر على الدول وإخضاعها لفرق التفتيش (العراق، إيران، سوريا، الخ) أو إثارة الفتن الطائفية والدينية والعرقية أو دعم القادة وتعزيز روح الدكتاتورية فيهم إلا وسائل تهيئة لتطبيق هذا المبدأ إي زيادة جاهزية المجتمع لمرحلة بث الفوضى
وعودة الى تأثير الفراشة، فقد يرى البعض أن التشبيه الذي أورده فيليب ميرلييز هو أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. لكن الأيام أثبتت أمكانية تحققه، ومما يثير الاستغراب أن الثورات الشعبية التي شهدها العالم العربي هي أفضل مثال على أن حادث بسيط يمكن أن يؤدي الى عواقب وخيمة، فقد أدت الصفعة التي تلقاها البائع المتجول التونسي محمد بوعزيزي إلى إسقاط نظام الحكم ليس في تونس فحسب بل وفي مصر أيضاً (2) وأنتشر ليهدد عدد من الأنظمة الأخرى فكأن الصفعة التاريخية تلك قد أشعلت ناراً في هشيم، ويلاحظ جاهزية المجتمع في كل من تونس ومصر للتحول، وبدون أدنى شك فإن حالة الفوضى في بلد ما يمكن أن تبدأ فور زوال النظام الحاكم سواء أكانذلك بثورة شعبية كما في حالتي تونس ومصر أو بإسقاطه عسكرياً كما في العراق، ولن نتطرق إلى الاضطرابات الداخلية في الدول العربية الأخرى لكونها ما تزال في حالة مخاض غير معلوم النتيجة
هذا جزء من مقالة شاملة سبق للكاتب أن نشرها في مجلة أراء حول الخليج في عددها الرقم 83 في أغسطس2011
التحليل العلمي لمبدأ الفوضى
نظرية الفوضى هي مبدأ رياضي قد يستخدم كثيراً في الرياضيات وعلم الأرصاد الجوية أو الهندسة الكهربائية أو غيرها .يعود الفضل في هذا المصطلح إلى ادوارد لورينز، كما يعد إسهام الكاتب جيمس غليك(1) في إرساء أركان هذه النظرية أساسياً وذلك في كتابه الموسوم: الفوضى: "صناعة علم جديد" والذي صدر عام 1987. وكثيراً ما يستخدم البندول كمثال إذا تم تحريكه بحركة عشوائية فانه يتخذ بعد عدة ثوانٍ مسارات متشابهة، وبذلك تكون الحركة العشوائية قد أدت إلى نسق منتظم فيه تكرارية تمتلك نسقاً معيناً مع ضرورة التمييز بين العشوائية والفوضى والتي لن ندخل في مناقشتها الآن. كما أن من الضروري التنويه بأن مصطلح الفوضى في هذا المقال لا يعد انتقاصا من قيمة انتفاضة أو حركة شعبية، فهو من وجهة نظر الباحثين أن هو إلا مرحلة انتقالية يعاد بموجبها ترتيب الأمور ما لم يفلت زمام الأمور.
أورد العالم فيليب ميرلييز في معرض مناقشاته لنظرية الفوضى مصطلح يعرف بتأثير الفراشة وهو تعبير مجازي لوصف كيف أن تغيير واحد أو أكثر من المعطيات الداخلة ذات الأهمية القليلة في تأثيرها، قد تؤدي إلى خلق تأثيرات كبيرة في المعطيات الخارجة. ولمزيد من التوضيح أورد ميرلييز التساؤل التالي: لو أن فراشة حركت جناحها في البرازيل فهل يمكن ان تثير إعصاراً في تكساس مثلاً ؟ وسنأتي على شرح هذا المصطلح على أرض الواقع لاحقاً
دراسات آخرى
الحصانة النسبية في المجتمع التركي
أثبت المجتمع التركي تمتعه بحصانة نسبية ضد عملية الفوضى لاسيما بعد أن توفرت معطيات أولية غير معلنة لحد الآن عن المخططين والمنفذين والممولين للإنقلاب العسكري الفاشل، فقد هب الشعب في وقفة واحدة بوجه الإنقلابيين، ويبدو بلا شك أن سياسة التنمية التي أتبعها أردوغان وما عاد بها من مردودات إيجابية على مستوى المعيشة ومعدل الدخل الفردي أبعد الآثر في ذلك.