مدرعة محطمة تظهر عليها مواقع أختراقها بقذائف اليورانيوم المنضب
ظل البنتاغون الأمريكي يدعي بأن الخسائر البشرية الأمريكية في خلال حرب تحرير الكويت لم تتجاوز 147 حالة فقط ، وأن نصف هذا العدد هو بسبب الأصابة بنيران صديقة عن طريق الخطأ ، بينما كانت الخسائر البشرية في الجانب العراقي هي أكثر بالطبع ولعدة أسباب عسكرية ، فكان البنتاغون يعزي ذلك أستخدام قذائف اليورانيوم المنضب بأعتبارها من أهم محاسنه ، بينما لم يشر إلى أن خسائره بسبب أستخدام هذا العنصر المشع قد بلغت في عام 1992 ما يقارب 90 الف حالة مرضية ، عانى فيها مجنديه من أمراض مختلفة أكثرها ذي خطورة بالغة ومميتة بما فيهم أفراد ومجندي القوات الأمريكية أنفسهم أيضاً ومنهم الممرضة الأمريكية كارول بيكو التي وصفت حالتها وصفاً دقيقاً وهي تشعر بالمرض يدب في أوصالها شيئاً فشيئاً منذ أن كانت في ساحة المعركة
أدى أنتشار الشظايا ذات النشاط الاشعاعي في البيئة العراقية أنذاك الى تعريض المواطنين البسطاء مثل رعاة الأغنام والفلاحين أو الاطفال في المناطق الريفية والمدن على حد سواء إلى خطر التعرض للإشعاع بحكم وجودهم على تماس مع هذه الاجسام ، وقد سجلت حالات وفيات بعد أشهر للبعض منهم ، ولعل أولى التسجيلات العلمية في هذا المجال على الأفراد العراقيين هو ما سجله الدكتور غانثر الذي حضر إلى العراق عام 1991 وسجل من ضمن مشاهداته مجموعة من الاطفال وهم يمسكون بالشظايا أثناء لعبهم ، ثم علم فيما بعد أن أحد هؤلاء الاطفال قد مات متأثراً بسرطان الدم بعد ذلك ، وكان الدكتور غانثر قد شخص في عام 1991 ، بعض الأعراض المرضية الغريبة التي لاحظها على بعض السكان العراقيين والتي كانت محيرة لديه آنذاك- ، تتلخص في أختلال وظيفة الكبد والكليتين وقد أشار الى أن تلك الاعراض بقيت غير مفهومة لديه لعدة سنوات ألا أنه واصل بحوثه الطبية بعد ذلك ليخلص إلى وجود بعض الاعراض المرضية المتسببة عن التلوث الإشعاعي بالدرجة الرئيسية
الأضرار الصحية الكامنة
يعرف عن تأثيرات الأشعاع طول فترة الكمون واللازمة لتطور ظهور الأعراض المرضية وقد تصل الفترة إلى عشرة سنوات أو أكثر لبعض الحالات رغم أنها قد لا تتجاوز عام واحد في حالات أخرى
أشار أحد الأطباء المختصين في دراسة أجراها في أثنتين من مستشفيات الأطفال الرئيسية في بغداد إلى وجود زيادات ملحوظة في أعداد المرضى من الأطفال الذين أصيبوا بسرطان الدم ( اللوكيميا اللمفوبلاستية الحادة وغير اللمفوبلاستية ) لفترة ما قبل الحرب وما بعدها وقد أكد أن تلك الحالات ناتجة عن التلوث البيئي الكيمياوي والاشعاعي بسبب عدم وجود أي أسباب أخرى ، كما سجل الهاشمي وجماعته زيادات كبيرة في نسب ظهور الأمراض الأورام في المجتمع العراقي ومنها سرطان المثانة والجلد والحنجرة والثدي والرئة بدرجة رئيسية قدم العراق تقريراً إلى الأمم المتحدة في آب من عام 1995 ، أشار فيها الى ملاحظة أرتفاع كبير جداً في أعداد المصابين بسرطان الدم العراق وفي محافظة البصرة مع أحتمال تزايد أعداد المصابين بالاضرار نتيجة التلوث الإشعاعي الخطير في البيئة العراقية لاسيما وأن الشظايا والدروع المحطمة الملوثة أشعاعياً كانت قد بقيت منتشرة في كل مكان لفترة طويلة إلى أن تمت أزالتها جميعاً ، وكان بقاءها بين أيدي الأطفال العراقيين يكاد أن يكون يومي ، يعبثون بها في كل مكان أثناء لعبهم البريء كما أن التلوث الذي شمل مناطق واسعة من البيئة الطبيعية في العراق سبيقى ملوثاً لفترة طويلة جداً ، وقد يهدد أنواع مختلفة من الأحياء فضلاً عن الأنسان
التشوهات الخلقية في الحيوانات
لا تقتصر التشوهات الخلقية على البشر ، أذ أن التأثيرات الخطيرة المترتبة على التعرض إلى الأشعاع هي نفسها تقريباً لجميع أنواع الأحياء وقد سجلت حالات التشوهات الخلقية في الأغنام خلال السنوات التي أعقبت الحرب فكان موسم ولادات الأغنام في خريف عام 1993 قد شهد ولادات ذات تشوهات خلقية بنسبة كبيرة شملت تشوه الأطراف الأمامية أو الخلفية أو الرأس مع حالات اشلل جزئي أو كلي أو ولادات ميتة و تسجيل العديد من حالات الإجهاض قبل الولادة فأمكن تحديد الأسباب بأنها ناجمة عن تعرض الحيوانات لمصادر أشعاعية ، والتي هي شظايا قذائف اليورانيوم المنضب التي كانت منتشرة في أرجاء البيئة بعد الحرب مباشرة قبل أن تتم عملية أزالتها ، وقد جاء التعرض الإشعاعي متظافراً في تأثيره مع تأثير الملوثات الكيمياوية التي أنتشرت هي الأخرى في البيئة والمياه بسبب الحروب وسوء الإدارة
كلمة أخيرة
من أهم الشواهد والأدلة على أن السبب في العديد من الحالات المرضية التي تسجل في المجتمع العراقي يعود الى اليورانيوم المنضب والتلوث الاشعاعي الناجم عنه ، هي أن نفس هذه الاعراض تلاحظ لدى المجندين الامريكان الذين شاركوا في العدوان على العراق ، مثل ولادة الاطفال فاقدي الاذن الخارجية او ذوي شفة عليا مشطورة أو أطراف ضامرة وغيرها. بعد توفر بعض الملاحظات الأولية عن المشاكل الصحية التي يمكن أن تنتج عن أستعمال قذائف اليورانيوم المنضب، فقد ورد في مذكرة صادرة عن مختبرات لوس آلآموس الأمريكية في آذار عام 1991، بعدم التوصية بإستمرار إستعمال القذائف الحاوية على اليورانيوم المنضب ، على الرغم من فاعليتها الشديدة في إختراق الدروع، لكن وزارة الدفاع الأمريكية ، أعترضت على التقرير مبررة ذلك بضرورة (التروي) في الأستنتاجات والبيانات ، ولتبرير الأستمرار بإستعمال القذائف، والتخلص في نفس الوقت من تلك النفايات النووية الخطرة بإلقاءها في دول العالم ممن يعارض سياستها
أستخدمت القوات الأمريكية إبان حرب الخليج الثانية 1991-وقبلها في كوسوفو- قذائف ضد الدروع مصنوعة من سبيكة يدخل في تركيبها عنصر اليورانيوم المنضب وهو عنصر ثقيل الوزن ويعتبر من فضلات نووية خطرة يتوجب التخلص منها بطرق أمينة بيئياً، ويعود مبرر استعماله المعلن بأنه يعطي للقذيفة قدرة أعلى على أختراق الدروع، أما غير المعلن فهو أن هذا المعدن المنضب إشعاعياً يعتبر فضلات إشعاعية يجب التخلص منها من أراضي الولايات المتحدة وفق القوانين البيئية الأمريكية. هذا فضلاً عن خصائصها التدميرية بسبب قدراتها الأشعاعية، رغم ما يعرف عن نضوبها أشعاعياً
ما هو اليورانيوم المنضب؟ عنصر اليورانيوم المنضب مادة تحترق بشدة وبلهب أصفر اللون استخدم مؤخراً في صنع قذائف ضد الدروع والتي حال إصطدامها بالهدف، وينتج عنها غبار ذي خصائص مشعة، يعرض كل من يستنشقه الى الهلاك دون شك
يعتبر اليورانيوم هو الوقود الأساسي للمفاعلات النووية ، لاجل إنتاجه كوقود يحتاج الى عملية تخصيب أي زيادة نسبة نظيره، اليورانيوم -235 ، فتؤدي هذه العملية في نهاية الأمر الى أنتاج ما يعرف باليورانيوم المنضب، وهو في الحقيقة فضلات مشعة ثقيلة الوزن جداً، وتمتلك قدرة إشعاعية تقدر بنحو 60% من الأصل، كما ان نشاطها يستمر لغاية 4,5 مليار سنة أي أبد الدهر أفتضح سر هذه القذائف بعد المعارك بفترة وجيزة، حيث سببت تلوثاً أشعاعياً بعد أستعمالها في ساحة المعركة في الكويت وجنوب العراق وسمي اليورانيوم المنضب منذئذ باسم "معدن العار" للتعبير عن الأستياء من هذا السلاح الأمريكي المدمر.مثل هذا الاستخدام يعتبر محرم دولياً بموجب العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية
مجند يحمل قذيفة مضادرة للدروع ذات رأس من اليورانيوم المنضب
تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية نحو 495 مليون كيلو غرام من اليورانيوم المنضب وهي نتاج السنوات الخمسين الماضية من إنتاج الوقود النووي والقنابل النووية، لذا فقد باشرت في الثمانينات باستهلاكها في انتاج قذائف ضد الدروع عرفت القذائف باسم القذائف الفضية ، إذ أن اضافة هذا العنصر الثقيل الوزن الى القذائف يزيد من قدرتها الاختراقية من جهة ومن المسافة التي تقطعها من جهة ثانية
كمية اليورانيوم المنضب المستخدمة
خلال زيارته إلى العراق في عام 1991 أشار رامزي كلارك الى أنه كان قد أحصى عددا يتراوح ما بين خمسة الآف الى ستة الآف قذيفة من قذائف اليورانيوم المنضب في العراق ، وضمن المناطق التي تمكن من تفقدها خلال زيارته القصيرة ، بينما أعترف الجيش الامريكي بأستخدام 14 الف قذيفة وهو عدد غير صحيح بالطبع ، أذ تشير تخمينات أخرى الى إستعمال ما لا يقل عن 50 الف قذيفة ما بين رؤوس صواريخ وقذائف مدفعية ، و940 الف قذيفة من عيار 30 ملم وعدد آخر لقذائف من عيار أكبر وذلك فيما يخص معارك عام 1991، هذا فضلاً عما أستخدم في الهجمات التالية على العراق لغاية عام 1998، وربما في عملية غزو العراق عام 2003 ولا تتوفر لدى الكاتب التسجيلات في هذا المجال
المناطق المتضررة والمستويات الاشعاعية
بعد انتهاء القتال عام 1991 كان غبار اليورانيوم المنضب يغطي كل مكان من أرض جنوب العراق فضلاً عن انتشار عدد هائل من شظايا اليورانيوم المنضب، مما أدى كل تلك المصادر ذات النشاط الإشعاعي الى ارتفاع مستويات الأشعاع في البيئة وكانت أكثر المناطق تضرراً هي في جنوب العراق وشملت منطقة الزبير وسفوان وحقول الرميلة في محافظة البصرة ، وكما يلي
أولاً : وجد أن التربة السطحية ضمن ما يقارب 13 كم مربع من محافظة البصرة كانت ملوثة بشدة وبتركيز إشعاعي عالي نسبياً و مساحة قدرت بنحو 1705 كم مربع ملوثة بتركيز إشعاعي أوطيء نسبياً
ثانياً قدر بأن سكان المنطقة كانوا يستنشقون تراكيز من الغبار المشع قدر بنحو 0,109 ميكروغرام/متر مكعب من الهواء في المناطق القريبة من الدروع المصابة أما سكان المناطق الأبعد نسبياً فقد كانوا يستنشقون 0.00015 ميكروغرام/ متر مكعب نتيجة لوصول دقائق الغبار مع الرياح
ثالثاً كانت تراكيز غاز الرادون المشع وهو غاز مشع ينتج من عملية التحلل الإشعاعي هي في حدود 1,588 بكريل/متر مكعب
رابعاً وجد نشاط إشعاعي في ترسبات المياه بنسب أعلى من الطبيعي في مناطق سنام وحقلي الرميلة الشمالي والجنوبي مما يدل على أنتقالها من المواقع التي توجد فيها الدروع المصابة عن طريق السيول إلى الوديان والأنهار القريبة
خامساً أدى أنتشار الشظايا ذات النشاط الاشعاعي في البيئة العراقية أنذاك الى تعريض المواطنين البسطاء مثل رعاة الأغنام والفلاحين أو الاطفال في المناطق الريفية والمدن على حد سواء سادساً كما شخص التلوث الإشعاعي في نباتات وحيوانات المنطقة ، وكان الأطباء البيطريين قد سجلوا تشخيص الكثير من الأورام في الحيوانات وخصوصاً الأغنام والإبل بسبب الرعي في المناطق الملوثة
التأثيرات الصحية
سجل البروفيسور سيغوارت غانثر وهو طبيب ألماني مشاهداته عن الآثار الصحية التي خلفها أستخدام اليورانيوم المنضب على العراقيين بعد عام 1991 ، ذاكراً ملاحظة أعراضاً مرضية غريبة كانت محيرة له آنذاك، تتلخص في أختلال وظيفة الكبد والكليتين وقد أشار الى أن تلك الاعراض بقيت غير مفهومة لديه لعدة سنوات ألا أنه واصل بحوثه الطبية بعد ذلك ليخلص إلى وجود بعض الاعراض المرضية المتسببة عن التلوث الإشعاعي بالدرجة الرئيسية والتي يمكن أيجازها كما يلي أولاً تضرر الجهاز المناعي في جسم الفرد العراقي بدرجة كبيرة ، وبالتالي أنخفاض المقاومة ضد الامراض وقد أزدادت هذه الحالة سوءاً بسبب تفاقم الأوضاع الغذائية وإنتشار سوء التغذية في المجتمع العراقي بسبب الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على العراق ثانياً أرتفاع نسب ظهور بعض أنواع الطفح الجلدي (هيربس) والحبة الجلدية أو ما يعرف طبياً بأسم (أكنيا) وهي علامة طبية مميزة تدل على التعرض الى المواد السامة أو المشعة من منشأ بيئي ثالثاً ظهور حالات مرضية متشابهة مع متلازمة نقص المناعة المكتسبة ( الايدز) ، وبالطبع فأن هذه الحالة هي بسبب تناقص المناعة الجسمية رابعاً ظهور حالات غير مفهومة طبياً، على وجه الدقة تتمثل في أعتلال وظائف الكبد والكليتين خامساً زيادة حالات سرطان الدم وأنواع معينة من فقر الدم والاورام الخبيثة سادساً زيادة حالات التشوهات الخلقية والناتجة عن تضرر الخلايا التكاثرية أو الخلايا الجنينية بسبب التعرض إلى الأشعاع