بريطانيا ماقبل شارع اوكسفورد: الحمامات الرومانية في باث
بقلم الدكتورة مي رمزي الأرناؤوط
من يعيش في بريطانيا و تسنح له الفرصة لزيارتها فينبغي أن لا تفوته فرصة التعرف على تاريخها المثير وخاصة بريطانيا الرومانية فقد كانت بريطانيا اخر مستعمرات الامبراطورية الرومانية واول ما انسحب الرومان منه بعد احتلالها لما يقارب ال 500 سنة
الجنرال أولس بلوتيوس Aulus Platius
دخل الرومان بريطانيا تدريجيا على شكل حملات متتالية كانت اولها في سنة 55 قبل الميلاد (أقرأ عن الغزو الروماني للجزر البريطانية) وذلك بعد ان اوهموا البريطانيين الاصليين اولا بانهم يبغون التبادل التجاري وصفقات البيع والشراء بينما كانوا في الحقيقة يدرسون الاوضاع ويهيئون سرا لغزو الجزر البريطانية وذلك حتى سنة 43 قبل الميلاد حيث كانت حملة الغزو الروماني الاولى تحت حكم الامبراطور كلوديوس.واصبح الجنرال الذي قاد تلك الحملة واسمه (اولس بلوتيوس) اول حاكم لبريطانيا الرومانية ثم تلت هذه حملات متتالية غزى فيها الرومان كل مايسمى حاليا بانكلترا وطردوا السكان الاصليين نحو الساحل الغربي (الى ما يعرف الان بويلز) الى مابعد الوديان التي تفصلها عن انكلترا ثم بنوا حائطا بينهم وبين ويلز ليمنعوا البريطانيين من الرجوع الى السهول الخصبة . وجد الرومان في تلك السهول قوم من الكلت (1) وهو جنس سكان الجزر البريطانية الاصلي كانوا يسكنون بيوتا مدورة من الحجر والحشيش ويحرثون الارض باستعمال محاريث خشبيية تجرها الثيران . ووصف مؤرخوا الرومان سكان الجزر البريطانية في انكلترا (باشباه الوحوش). كانت اصول هذه الاقوام تعود الى الجرمان (المانيا) وكانوا يتمركزون بمنطقة تسمى انكليا(2) لاتزال تحمل هذا الاسم الى يومنا هذا فسماهم الرومان أنكليز(3)اي الانكليزيين ومنها جاءت كلمة (انكليز) كما نقلها العرب
كان الانكليز شعب صعب المراس واجه الرومان بمقاومة شديدة كانت تقمع بعنف اشد حتى وصلوا هؤلاء الى حدود اسكتلندا في الشمال . لم يتمكن الرومان من غزو شعب اسكتلندا الجبلي او (الكاليدونيين) ابدا فبنى الامبراطور هدريان حائطا في اضيق نقطة جغرافية تقطع بريطانيا عرضا امتد من اقصى الشرق الى اقصى الغرب وعرف باسمه. ولا تزال اطلال حائط هدريان على حدود انكلترا واسكتلندا (كاليدونيا) هي قبلة للسياح الى يومنا هذا أي منطقة نورثهمبرلاند في انكلترا
جلب الرومان معهم الى الجزر البريطانية اساليب الحياة المتحضرة وبنوا القصور والفيللات والمسابح والمدن كمدينة لندن التي اطلقوا عليها اسم (لندينو) وكذلك ميناء الدوفر (دورس) وعبدوا بينهما اول شارع روماني للعربات لايزال مستعملا لحد يومنا هذا ويعرف الان باسم اي 2 ولا تزال اثارالسور الروماني حول لندن القديمة موجودة في وسطها (منطقة الستي التجارية - متحف حائط لندن كما يمكن مشاهدة اول حجر لتعيين وحدة ال(ميل) الروماني (وهي حوالي 0.9 ميل حالي) او 1480متر في بناية تجارية في الستيوسط لندن. ومن هذه الطريقة جاء التعبير البريطاني مايل ستوناي حجر الميل عند الاشارة الى سابقة او علم
تمثال الآلهة منيرفا
وجد الرومان عينا مقدسة لمياه الساخنة من تحت الارض في مايعرف الان بمدينة باث)اي حمام ) قرب لندن وكان الكلت (السكان الاصليين) يعبدون الالهة سولس (4)عندها فسماها الرومان اولا بمياه سولس(5) ثم اطلقوا عليها فيما بعد اسم الالهة منيرفاواستمروا في عبادتها كما فعل الانكليز. وتاتي مياه العين الحارة من المطر الساقط على التلال المجاورة والذي يصفى عن طريق النضوح من خلال الصخور الكلسية الى اعماق 2700 - 4300 متر تحت الارض حيث يسخن بالطاقة الحرارية الارضية الى 64-97 مئوية ليتدفق من عين سولس على شكل مياه ساخنة لها خصائص طبية بنى الرومان حول عين سولس (منيرفا) حمامات فاخرة وانظمة علاج مائي ومضخة مياه و تدفئة مركزية استعملت فيها انابيب الرصاص. ولا تزال هذه كلها قائمة في حمامات مدينة باث التي اعيد اكتشافها وتنظيفها وفتحها للسياح عام 1983. و يقال بان اول من بنى الحمامات حول العين هو الملك البريطاني بلادود في 836 قبل الميلاد بعد ان شفي هو وقطيع خنازيره من الجرب بالتمرغ في اطيان الماء الساخن كما يروي المؤرخين
اما حمامات باث الرومانية فتقسم الى اربعة اقسام هي العين الحارة المقدسة و المعبد الروماني للالهة منيرفا والمسابح الرومانية (الصورة) والمتحف الذي يحوي ماوجد عند التنقيب وخاصة النقود والتعويذات التي كان يلقيها الاهالي في حوض العين لطلب (نذر) او للعنة شخص ما، ومن هذه التعويذات الطريفة التي وجدت هي ما رماه المتعبدون للعنة اللصوص اللذين يسرقون ملابس وصنادل المستحمين في الحمامات اما مسابح الاستحمام فتحوي على ثلاثة اقسام وهي المسبح الحار كالداريام (6) , والدافيء (تيبيداريام(7),والبارد (فريجيداريام(8)وهو نظام لا يزال يستعمل في الحمامات التركية التقليدية كطريقة لتنشيط القلب والاوعية الدموية حيث يغير المستحمين حماماتهم حسب درجة الحرارة بالتدريج من الحار الى الدافئ ثم البارد. ومن الجدير بالذكر كذلك ان نظام التدفئة المركزية الرومانية لا يزال مستعملا في تركيا ايضا حيث تبنى دهاليز تحت ارض الحمام تحوي على الهواء المسخن عن طريق نار الحطب في ايام الرومان كذلك جلب الرومان الى بريطانيا ايضا نظام دورات المياه الغربية (جلوسا) حيث وجدت هذه في كل البنايات وخاصة معسكرات الجيش الرومانية حيث كان الجنود يجلسون على احجار طويلة مثقبة رفعت فوق مجرى ماء قوي يحمل الفضلات مباشرة الى الحقول المحيطة بالمعسكرات. ويمكن مشاهدة بعض من دورات المياه الاثرية التي لا تزال قائمة لحد الان في بقايا المعسكر الروماني قرب حائط الامبراطور هدريان في نورثهمبرلاند
الدكتورة مي رمزي الأرناؤوط منقح مع الاضافة بتاريخ 9ـ12ـ2016
_____________ الهوامش 1. Celtic 2. Anglia 3. Angliase 4. Selis 5. AQUAE SULIS 6. CALDARIUM 7. TEPIDARIUM 8. FRIGIDARIUM